أما أن يكون الشخص حاضراً في كل ذلك وأكثر في ضمير وحديث كل الناس فلن تنطبق هذه المواصفات على الكثيرين بل على القليل وعلى رأسهم رئيس بلدية مدينة عاليه وجدي مراد.
من يعرف هذا الرجل عن قرب يستحيل عليه الشعور بالاستغراب لأي كلام جميل عنه، فهو الرجل الديناميكي والحركة الدائمة والأخلاق واللطف، ومن خلال تجربته في العمل البلدي والاجتماعي سجل هذا الرجل عدد من النقاط المميزة عن كثيرين.
من يدخل مدينة عاليه يرى طيفه حاضراً في الأزقة وواجهات المحال والبيوت والطرقات العامة والخاصة وفي كل دائرة ودسكرة من المنطقة، ولكن الأهم أنه موجود في الضمائر والنفوس، ويستحيل عليك التقاط ولو كلمة سيئة بحقه، ليس لأنه انسان خالٍ من العيوب والأعداء والأخطاء، ولكنه بسبب التواضع الكبير الذي يتمتع به في التعاطي والسلوكيات العامة والخاصة.
وحتى لا يُعتبر هذا الكلام من قبيل المدح أو المحاباة لشخصٍ في سدة مسؤولية بلدية محلية على تماسٍ مباشر مع الناس، فالدليل القاطع يعرفه الجميع في يوميات هذه المدينة.
بعد انتخابه رئيساً للمجلس البلدي في مدينة عاليه، راهن كثيرون إيجاباً عليه، وكان دليلهم مسيرته المهنية والاخلاقية ومنذ أيام الحرب وكيف كان سلوكه اليومي. ورغم وجود عدد لا يستهان به ممن شككوا بصحة وعوده بنهوض عاليه من كبوة الحرب والفوضى وتحولها الى عروس المصايف ونجمة المدن اللبنانية. ودارت الأيام ليفاجئ وجدي مراد الجميع: بناء البشر انطلق قبل الحجر.
كيف ومن أين أتى بكل هذا التفاؤل وسعة الأفق والهمة والنشاط؟ كيف أمكن هذا الشاب الأربعيني أن يرى بعين المهندس والعامل والفلاح والفنان والبيئي وأستاذ المدرسة، وأن يكون على علاقة ايجابية بكل الأطراف العائلية والسياسية والمذهبية والطامحين والذاهبين الى الأبعد والأبعد؟.
وبكل نشاط وهمة أطلق مراد العنان لكل الطاقات والقدرات، وفتح المدينة على ورشة بناء وتقدم ورقي سرعان ما بدأت معالمها تظهر في كل زاوية والأهم الصدى الطيب عند الجميع. من متاحف فنية مغلقة ومكشوفة الى حملات تشجير وتوسيع للطرقات والآفاق، الى واجهات البيوت والمحال، معارض على مختلف الأشكال والألوان، والأهم أنه قد وضع مدينة عاليه في عين كل طامح للتميز وأن تكون في مدينة عاليه يعني انك قد اكتسبت علامة فارقة.
وهنا لا يسعنا أن نفصل انجازات البلدية المباشرة منذ عقدين مع رئيسها ومجالسها المتعاقبة، ولكننا نستطيع أن نقول أن تجربة العمل البلدي في الجبل، وربما في لبنان ككل، كانت قبل وجدي مراد شيء وبعده إكتسبت بعداً آخراً، وهنا بيت القصيد.
في هذه التجربة التي تحتاج الى دراسة معمقة في كيفية التوفيق والتوأمة ما بين العمل العام والخاص بما لا يتجاوز الخطوط الحمر. أي أن تكون رئيساً ناجحاً ومثابراً وقادراً على توفير مستلزمات الحياة الكريمة لعائلتك الصغيرة، ليس بالمال وحده يحيا الأولاد بل بمزيد من الحب والاهتمام والرعاية، وأن تكون على مستوى طموحات بيئتك التي انتخبتك.
وليس من العار أن يكون هناك صراعاً سياسياً وعائلياً في مدينتك يعطي كل انتخابات الزخم والحيوية والإثارة، ولكن العار أن تتحول هذه المنافسة الى صراع لا ينتهي يدمر اي انجاز او مشروع، والأهم كيف يمكن امتصاص هذا التنافي بما يخدم المصلحة العامة. هذا ما رأيناه ولمسناه مع تجربة وجدي مراد.
العمل البلدي قائم على موائمة الموارد بما يخدم النطاق العام، ولكن أن تضع مشاريع طموحة جداً وتبدع في كيفية تحصيل تكاليفها دون أعباء، يعني أن تعرف كيف تضع المال في المكان الصحيح، فهذا هو الانجاز. وهذه المشاريع هي بما يخدم الانسان في حياته اليومية وعلى الأمد البعيد، خاصةً في مجالات الفن والثقافة وبناء قدرات المميزين من أبناء المدينة والمنطقة المحيطة.
في هذا الكلام لا نأتي بجديد، بقدر ما نهدف لإلقاء الضوء على تجربة رائدة في منطقتنا ولبنان من العمل الاجتماعي والسياسي الناجح حيث يكفي وانت تتصفح الفايس بوك أن ترى مواطنا يضع صورة "الريس" ويكتب تحتها "بي وخي..... وأنت الأب الروحي للجميع "
(القناة الثالثة والعشرون)